ماذا يريد أحمد الغامدي بمكة

platinum · منذ /20-01-2009, 03:07 AM

ماذا يريد الغامدي بمكة المكرمة؟

هل مثل هذه التصريحات الصحفية الاستفزازية من مسؤوليات وواجبات ومهام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
إثارة هذه البلبلة تثير الفتن والبغضاء بين المسلمين وتسيء لسمعة بلادنا في العالم الإسلامي

زهير محمد جميل كتبي*

اطلعت على تصريح رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة مكة المكرمة الأخ أحمد الغامدي، والمنشور بصحيفة الوطن بعددها (3019) وبالصفحة (9)، والتي طرح فيه الغامدي عدة مطالب منفعلة منها: وضع سياج شائك حول جبل ثور وجبل الرحمة وجبل النور، وإلغاء الشاخص الذي بجبل الرحمة، وطلب إزالة مقبرة المعلاة وقبر السيدة ميمونة، وأمنا حواء، وطلب إغلاق تلك المقابر أيام الحج وغيرها... الخ.
ثم إن الغامدي اتجه إلى مرحلة خطيرة وهي.. (التشكيك).. في مولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وكذلك شكك في قبر السيدة ميمونة بنت الحارث، وشكك في قبر السيدة آمنة بنت وهب....إلخ.
من البداية أريد أن أقول إن الأخ أحمد الغامدي ليس من العلماء، ولا من الفقهاء، ولا من المؤرخين، ولا من علماء الاجتماع ولا من المحققين التاريخيين حتى يتس رع بإصدار كل هذه الحزم من الفتاوى والآراء وكأنه يتجنى على التاريخ ورجاله. أو أنه وصي على تاريخ مكة المكرمة وآثارها العظيمة. وأؤكد للغامدي أن الأصل في عقائد الناس السلامة، وحسن الظن بالناس دليل سلامة القلوب.
والغريب أن كلامه يحمل الكثير من غلو الأفكار الشركية، فهو يقول (من أجل الحد من الممارسات الشركية التي تحدث من قبل بعض الجهلة والمبتدعين...). وفي موقع آخر يقول (من يتأثرون بدعاة الخرافة...). ويقول (فهناك من الحجاج من يأتون إليه ويستقبلونه ويصلون فيه وهذه كلها تصرفات شركية..). وقال (وتحصل هناك بعض المخالفات الشرعية كالتبرك بجدرانه...).
هل تعلم يا غامدي أن آخر خطبة خطبها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يوم السبت بعد رجوعه من زيارة البقيع وتوفي يوم الاثنين قال (إني لست أخاف عليكم أن تشركوا من بعدي ولكن أخاف عليكم الدنيا).. هذا الحديث رواه البخاري.
وقال عليه أفضل الصلاة والسلام في خطبة الوداع (إن الشيطان يئس أن يعبد بأرضكم هذه...). الحديث حيث يجمع شراح الحديث والمؤرخون أن المقصود من قو له.. (بأرضكم).. أي الحجاز. فهل أصدق سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما أصدقك يا أحمد الغامدي!. المزعج أن الغامدي حتى الحجاج لم يسلموا من لسانه فاتهمهم بالشرك. فكيف بالله عليك حاج يقطع كل هذه المسافات وهذه المشقة ليأتي إلى مكة المكرمة ليعبد الجدران والقبور يا رجل خاف الله في نفسك. يلاحظ بل يتأكد من كلام الغامدي لائحة تجهيل الحجاج والمعتمرين والزوار، فلقد جاء الحجيج وهم يرددون (لبيك لا شريك لك لبيك) وهو أقوى دليل على التوحيد والبعد عن الشرك. وكل دعوى بلا دليل فهي باطلة فلا دليل على إشراكهم بالله وإن كان هناك دليل فنحن نحتاج إلى البيان والبينة.
كما أن اتهام الحجاج والمسلمين عموماً بالشرك هو تعرض لحرمة أعراضهم وذلك يجر إلى هدر دمائهم وأموالهم وهي أعظم فتنة بين المسلمين. لذا يجب، بل ينبغي فوراً وقف أمثال هؤلاء ممن يتسبب بالفتنة والتفرفة بين المسلمين وهذا أكبر دليل على الغلو والتطرف وهو أمر مذموم شرعاً وعرفاً وأخلاقاً.
إن أمر التبرك أمر مشروع وليس هنا مجال الكلام عليه ويكفي في ذلك قول الله تعالى (وأنزلنا من السماء ماء مباركاً). وقوله تعالى (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين). وأجازه الكثير من العلماء والفقهاء ومن أدلة ذلك ما رواه البخاري في صحيحه فيما يتعلق بالتبرك بالآثار (أن سيدنا عبدالله بن عمر رضي الله عنهما وصف مسجداً صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم بكل دقة إذ قال: عن يمينك حين تقوم وعلى حافة الطريق وأنت ذاهب وبينه وبين المسجد الآخر رمية حجر). كما جاء في البخاري أيضا أن عبدالله بن سلام قال لأبي بردة (انطلق إلى المنزل فأسقيك من قدح شرب منه الرسول، ونصلي في مسجد صلى فيه النبي).
كما أود أن أسأل معالي الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الشيخ إبراهيم الغيث وأقول له: هل من حق أي إنسان أو موظف أن يستغل منصبه الوظيفي ليخرج ما في نفسه من مكنونات داخلية لإثارة غضب المجتمع. ثم يدعي أن ما قاله يمثل رأيه الشخصي فكيف هذا التناقض؟. وهل مثل هذه التصريحات الصحفية الاستفزازية من مسؤوليات وواجبات ومهام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. إن ما قاله الغامدي أثار الغضب الشديد في الشارع المكي، والله تلقيت يوم نشر تصريح ه مئات ومئات الاتصالات الهاتفية الغاضبة، لكي أتصدى له والرد والفضح والتصحيح. والله إن البعض بكى، وبكى وهو رجل كبير في السن وقال لي: يا ولدي إيش يبغى هذا الإنسان منا.. يشككنا في معتقداتنا وتاريخنا و... و.... إلخ،. وكذلك وصلتني رسائل عبر الجوال كلها تحمل صفة الغضب والانفعال ضد الغامدي وما صرح به.
هذه الآثار مثبتة تاريخيا وكتب العلم والتاريخ والدين طافحة بذلك وهي موجودة في الأسواق العامة. إن التاريخ يثبت بالتواتر ولدينا في مكة المكرمة من الثوابت المحلية التي تلقيناها منذ القدم ما يؤكد أن هذه الأماكن شريفة لما شرفها الله سبحانه وتعالى من أحداث أو مناسبات. وهناك معالم تاريخية ثابتة لا مجال للشك في صحتها وحقيقتها، وهذه الآثار ثابتة علمياً ومحلياً وتواتراً في أمهات الكتب والمصادر. وهذه الآثار عرفت عبر تواتر نقل الأجيال جيلا بعد جيل حتى اليوم.
و يقول الدكتور طه جابر فياض في كتابه "أدب الاختلاف في الإسلام": وكثير منهم من ينسب لنفسه العلم بالرجال ومعرفة مراتب الجرح والتعديل وتاريخ الرجال، وهو في ذلك لا يعدو أن يكون قد درس كتاباً من كتب القوم ف ي هذا الموضوع أو ذاك، فأباح لنفسه أن يعتلي منبر الاجتهاد، وحق له أن يتعالى على العباد وحري بمن نال نصيبا من العلم أن ينهاه علمه من أن يكون من الجاهلين، وأن يرتفع عن توزيع الألقاب واتهام الناس، ويدرك خطورة ما تتعرض له من عقيدة الأمة، فيعمل على الذب عنها، ويحرص على جمع القلوب.
ويقول الإمام الشيخ ابن تيمية ـ رحمه الله ـ ( إن القول قد يكون كفراً فيطلق القول بتكفير صاحبه، ويقال: من قال هذا فهو كافر، لكن الشخص المعين الذي قاله لا يحكم بكفره، حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها ).
ويقول العلامة الشوكاني في كتابه "السيل الجرار"، ( أعلم أن الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دين الإسلام ودخوله في دين الكفر، لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار، فإنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة المروية من طريق جماعة من الصحابة أن (من قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما). هكذا في الصحيح.
استغرب كل الاستغراب أن يطلق الغامدي كل هذا التشكيك، وينشر الغلو والتطرف ويطعن في عقيدة الناس وأنهم يمارسون ممار سات شركية وغيرها من عبارات وجمل وكلمات التشكيك في عقيدة الآخرين وكأنك مطلع على قلوب كل المسلمين ثم أصدرت حكمك المتطرف. ضد مكة المكرمة وأهلها المباركين. قال معالي الشيخ الدكتور صالح بن حميد في خطبة الجمعة يوم 28/6/1412.
بالمسجد الحرام (إن أهل الأهواء يريدون في الأمة اختلافاً وتنافراً وتنابذاً وتنابزاً، يريدون منها أن تذل بعد عزها وتنحط بعد رفعتها، يريدون منها أن تتفرق في دينها شيعاً ومذاهباً وأحزاباً.
ثم قال: إن الاختلاف في وجهات النظر بذاته لا يثير نزاعاً ولا يولد تنافراً، ولكن صاحب الهوى والمعجب بنفسه يجعل الحق في كفة ونفسه المخذولة في كفة).
وقال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في مجموع الفتاوى ( الكفر من الأحكام الشرعية، وليس كل من خالف شيئاً علم بنظر العقل يكون كافراً، ولو قدر أنه جحد بعض صرائح العقول، لم يحكم بكفره حتى يكون قوله كفراً في الشريعة).
ومن المعروف أن علماء الشريعة هم أداة بناء ورقي للمجتمع الإسلامي، وهم ليسوا أداة للهدم والتدمير والتفرقة بين المسلمين.
أما بالنسبة لغار حراء وجبل ثور، فإن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم صعد مع العشرة المبشرين بالجنة إلى غار حراء بعد الفتح، واهتزت الصخرة فقال: (أثبتي حراء)، ثم بشرهم بالجنة وذلك بعد الفتح، كما ورد في صحيح مسلم. وتعبد النبي صلى الله عليه وسلم وتحنث في غار حراء الليالي ذوات العدد. وهذا يكفي المكان شرفاً.
أما بالنسبة لقبر السيدة الجليلة ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها فيجمع المؤرخون والمختصون بالقول المأثور.. ( ميمونة عرسها ورمسها ) في هذا الموقع. فمن المعروف عن قصة موتها بعد مرضها الشديد في مكة المكرمة حيث أمرت بإخراجها من مكة المكرمة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرها بعدم موتها بمكة المكرمة. فماتت في هذا الموقع ودفنت به. وتم عرسها على النبي صلى الله عليه وسلم في نفس هذا الموقع عام العمرة التي لم تؤد في حينها. ولا يعرف قبر حول مكة المكرمة إلا قبر السيدة ميمونة رضي الله عنها بوادي سرف في منطقة النوارية. وأكد هذه الحقيقة التاريخية عمدة المؤرخين المكيين المؤرخ تقي الدين الفاسي.
الغامدي طلب إزالة كل الآثار والمعالم الإسلامية بمكة المكرمة. يجب سد هذه ال ذريعة (هدم الآثار الشرعية) لأنها سبب في تكذيب أفراد الأمة جميعاً والذين تواترت هذه الآثار على ألسنتهم وفي كتبهم عبر مئات السنين وذلك يؤدي إلى إبطال معظم ما وصل إلينا من السلف لصالح. وأهمها الأحاديث النبوية العظيمة وما قاله السلف الصالح.
أستغرب أن يصدر هذا الكلام، وهذا التشكيك في العقيدة من رجل مسؤول عن جهة تنفيذية ونحن في القرن الواحد والعشرين. ويتجاوز كل أخلاق الوظيفة والمجتمع.
كيف نتحاور مع الآخر وبيننا أناس مازالوا يشككون في عقيدة المسلمين ؟. إن التعرض لأعراض المسلمين معارضة ومخالفة صريحة لقوله صلى الله عليه وسلم في موسم الحج وفي خطبة الوداع (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام...).
ولكي أشرح للغامدي كل التفاصيل الدقيقة لما كتبته من أفكار وأراء تشكيكية فإن ذلك يتطلب مني تأليف كتاب، فالصحف لا تتسع صفحاتها لمثل هذه الردود. كما أعرف أنه قد يكون ردي عليك وتصحيح معلوماتك، وتغيير مفاهيمك الخاطئة قد لا يفيد، لأنك تحمل قناعات مشوشة، لم تستطع البوح بها إلا عندما جلست على كرسي المنصب. فاتجهت لاستغلاله بصورة غير لائقة وظيفياً، وأريد أن أبين لك ولغيرك ممن يحملون مثل هذه الذهنية المشوشة بأن مولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ثابت وراسخ ومؤكد وصحيح في كل كتب التاريخ الإسلامي، وهو أمر مسلم به. ولا يجوز الخوض فيه. فإن إثارة هذه البلبلة تثير الفتن والبغضاء بين المسلمين. وتسيء لسمعة بلادنا في العالم الإسلامي.
وخادم الحرمين الشريفين الملك الصالح عبدالله بن عبدالعزيز يتجول ويلف كل دول العالم من أجل نشر ثقافة المحبة والتسامح والحوار، وقبول الرأي الآخر والتصالح مع الجميع، والتسامح فوق كل شيء. وهذا صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية ـ رعاه الله ـ يتبنى نشر ثقافة محاربة الفكر الضال والمنحرف للقضاء على الغلو والإرهاب والإرهابيين، ووضع سموه ـ رعاه الله ـ كراسي بالجامعات السعودية وغيرها من أجل نشر هذه الثقافة. وأنت تأتي بأقاويل تخالف ما يدعو له ولاة أمرنا ـ أعزهم الله من تسامح واعتدال ووسطية ـ وتشكك في تاريخ مكة وأهلها، بل وتاريخ العالم الإسلامي وعقيدته. بل إن كلامك أثار غضبا شديد الانفعال في الشارع المكي.إن [التشكيك]. في عقائد الناس، والطعن في دينهم وتاريخهم ل أمر جلل. ألا شققت عن قلوب المسلمين !؟. فتعلم أصادقين أم كاذبين؟. كما قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لأسامة: عن أنس بن مالك رضي الله عنه وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (كفوا عن أهل لا إله إلا الله لا تكفروهم بذنب، فمن كفر أهل لا إله إلا الله فهو إلى الكفر أقرب). قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثلاث من أصل الإيمان: الكف عمن قال: لا إله إلا الله لا نكفره بذنب ولا نخرجه من الإسلام بعمل...). الحديث.

وأؤكد للغامدي بقولي له إنه لن يقبل ولاة الأمر ـ أعزهم الله ـ ولا المسؤولون بالكلام والأفكار والآراء التي طرحتها، ولن ينفذ منها شيء مهما حاولت وحاربت. لأن ولي أمرنا ـ رعاه الله ـ حريص كل الحرص على مشاعر وأحاسيس وكرامة وقيمة أهل مكة المكرمة المباركين، بل وكل المسلمين. ويحترم ويقدر أهل مكة المكرمة. وأقول للغامدي خاف الله في نفسك، وتب إليه واستغفره على ما قلت، وعلى التشكيك في عقيدة الناس. فما قلته اتهام باطل لا صحة له لا من قريب ولا من بعيد. وما قلته من م بالغات واهنة وشيطانية لا صحة لها. فنحن أهل مكة المكرمة لا نعرف مشركا ولا كافرا يعيش بيننا يعبد القبور والشخوص والجدران. ولم نشاهد أحدا يتمسح بالجدران أو غيرها.
لنعد جميعاً إلى الله ومنهج نبيه صلى الله عليه وسلم في الاعتدال ونتق الله في دينه واتباع نبيه عليه الصلاة والسلام. والله الهادي إلى سواء السبيل.

* كاتب سعودي