بعض إشكالات رسوم الأراضي
تثير قرارات فرض الرسوم والضرائب العديد من الإشكالات بسبب تأثيراتها المتعددة في الدخول والأسعار وتصرفات الأفراد والكيانات الاقتصادية وتضارب المصالح بين شرائح المجتمع المختلفة. ومن المتوقع ظهور العديد من الإشكالات عند صياغة وتطبيق قرار رسوم الأراضي، كما سيستغل العديد من جماعات الضغط المؤيدة والمعارضة للرسوم نفوذها للتأثير في صياغة القرار وآليات تنفيذه. ويعتبر تعريف أو تحديد مصطلح الأراضي التي ستخضع للرسوم من أبرز الإشكالات المحتملة التي ستظهر عند صياغة قرار الرسوم (أو الضرائب المفروضة على الأراضي على أدق تعبير). فهل سيقتصر فرض الضرائب على الأراضي الجرداء فقط، التي ليس عليها أي إنشاءات، أم ستشمل تغطيتها الأراضي المحاطة بأسوار فقط ومن دون أي إضافات أخرى؟ وهل ستفرض الضرائب على الأراضي المستعملة كاستراحات التي تحتل مساحات كبيرة في النطاق العمراني؟ فإذا تم إعفاء الأراضي المسورة والاستراحات من الضرائب فإن هذا سيشجع على تحويل الأراضي البيضاء غير المستغلة إلى استراحات أو بناء أسوار حولها، وبهذا ستفقد الضريبة جزءا كبيراً من تأثيرها. وتتعدد استعمالات الأراضي الخاصة لكنها تتركز في المجالات السكنية والزراعية والصناعية والتجارية. فهل سيقتصر تطبيق الضريبة على الأراضي السكنية أم سيشمل كل الأراضي بغض النظر عن استخداماتها؟ وسيبرز إشكال حول الأراضي التي تملكها الكيانات الاقتصادية، حيث يملك الكثير من رجال الأعمال مساحات كبيرة على هيئة أحواش أو أحياناً مساحات مفتوحة ومسورة بأسلاك، فهل ستستثنى تلك المساحات من ضريبة الأراضي أم لا؟ فاستثناء تلك المساحات سيقلل من الأراضي التي تفرض عليها الضرائب ويقلل من فاعلية الضريبة، كما سيشجع على تحويل مساحات كبيرة من الأراضي إلى أحواش للاستعمالات التجارية أو الصناعية.
وسيبرز أيضاً إشكال حول مفهوم النطاق العمراني الذي ستطبق فيه الضريبة. فهل سيقتصر مفهوم النطاق العمراني على المناطق المطورة حالياً في المدن، أم هل ستفرض على كل الأراضي التي يشملها النطاق العمراني أو سيشملها مستقبلاً، أم هل سيمتد تطبيقها إلى حدود تنمية المدن التي تعتبر أكبر مساحة يمكن أن تبلغها المدن في تصور المخططين؟ وتبلغ مساحات الأراضي المطورة عام 1430هـ في مدينة الرياض مثلاً نحو 1219 كيلو مترا مربعا، بينما يبلغ النطاق العمراني الحالي 2435 كيلو مترا مربعا، أما حدود التنمية فتزيد على خمسة آلاف كيلو متر مربع (نصف مساحة لبنان تقريباً، وسبعة أضعاف مساحة البحرين). وسيقلل اقتصار فرض الضرائب على النطاق العمراني حالياً أو الجزء المطور منه فقط من تأثير الضريبة وسيعطي ميزة للأراضي الملاصقة ويرفع أسعارها.
وسيكون تحديد مستوى ونوع الضريبة من أهم الإشكالات التي ستظهر عند تبني قرار ضريبة الأراضي. وسيسعى الملاك إلى إلغاء الضريبة على بعض أنواع الأراضي أو على الأقل خفض مستواها لأدنى حد ممكن، وفي هذه الحالة ستنخفض فاعلية الضرائب على أسعار واستخدامات الأراضي، ففرض ضريبة بحدود 1 أو 2 من 1000 من قيمة الأراضي مثلاً سيكون شبه محايد في التأثير في الأسعار والاستخدامات. وفي المقابل، سيتسبب فرض ضرائب مرتفعة (4 أو 5 في المائة مثلاً) من قيمة الأراضي في إرهاق الملاك وتوليد معارضة قوية لها، وستؤدي في حالة تفعيلها إلى تراجع كبير في أسعار الأراضي. والتراجع الكبير سيقود إلى خسائر كبيرة لآخر مشترين للأراضي، وقد يقود إلى إفلاسهم، وإحداث خسائر فادحة للمؤسسات المالية المقرضة لآخر مشترين. وسيثير فرض ضرائب على الأراضي قضايا عدالة هذه الضرائب، فقد يتساءل البعض عن عدالة فرض ضريبة على أراض قيمها مليون ريال مثلاً وإعفاء أراض قيمها عشرة ملايين ريال أو أكثر مقام عليها منازل أو مشاريع استثمارية. ومن المعروف أن ضريبة ملكية العقار في الدول الأخرى تفرض على كل أنواع العقار وبهذا لا تفرق الضريبة بين المنازل والأراضي والمنشآت التجارية.
وتفرض بعض الدول ضرائب تصاعدية على ملكية العقارات، لكن لشريحتين أو ثلاث فقط، ويساعد هذا النوع من الضرائب على خفض تركز ملكية العقارات والأراضي في عدد محدود من السكان. ومن الأمثلة على ذلك، فرض ضريبة مقدارها 1 في المائة من قيمة الأراضي المقدرة بثلاثة ملايين ريال أو أقل، ثم رفع هذه الضريبة إلى 1,5 في المائة إذا تجاوزت قيمة الأراضي هذا الحد. ومن المتوقع أن ترتفع أصوات تطالب بإعفاء الأراضي التي تقل أسعارها عن مستوى معين، حيث تقدم بعض دول العالم إعفاءات ضريبية على ملكية العقار الذي يقل ثمنه عن مستوى محدد. وتهدف تلك الإعفاءات إلى تمكين الشرائح السكانية متدنية الدخل من تملك المنازل، وتجنب دفعها ضرائب تؤثر في دخولها ألمتدنية، والحيلولة دون هبوط عائلات كثيرة تحت خطوط الفقر. فإعفاء الأشخاص الذين يملكون أراضي تقل قيمها عن نصف مليون أو مليون ريال مثلاً سيخفف العبء الضريبي عن الشرائح السكانية متدنية الدخل مثل الفقراء والمتقاعدين والأيتام والأرامل. وسيظهر إشكال آخر حول تحديد الوعاء الضريبي على أساس قطع الأراضي أم على إجمالي ملكية الأفراد، أي هل ستفرض الضريبة على كل أرض على حدة أم ستفرض على إجمالي ملكية الأشخاص من الأراضي في مدن المملكة كافة؟ وسيخفض فرض الضريبة على كل عقار على حدة من حجم تغطية الضريبة ويفقدها جزءا من تأثيرها، أم فرضها على إجمالي ملكية الأفراد من الأراضي في المملكة ككل فسيكون أكثر فاعلية وإنصافاً.
إن التعامل مع الإشكالات المرتبطة بالأراضي عند سن نظام ضريبي عليها سيحدد فاعلية الضريبة وقدرتها على التأثير وتحقيق الأهداف المرجوة منها، فتغطية الضريبة لأكبر قدر ممكن من الأراضي وارتفاع نسبتها وخفض الإعفاءات سترفع من فاعلية الضرائب وتسهم في تحقيق الأهداف من فرضها. وتهدف الضريبة على ما يبدو إلى الحد من ارتفاع الأسعار المبالغ فيه وتهيئة الظروف المناسبة لتطوير المناطق الحضرية في المملكة وتمكين الأغلبية الساحقة من المواطنين من امتلاك منازلهم. وفي المقابل ستقود المبالغة في حجم الضرائب وتغطيتها إلى التسبب في خسائر كبيرة للملاك وبعض الوسطاء الماليين وقد تسيء إلى بعض الشرائح السكانية منخفضة الدخل. وتعتبر الضرائب والرسوم من الأدوات القوية والفاعلة المؤثرة في استقرار الاقتصاد ومستويات وتوزيع الدخول والثروات وفي تصرفات الأفراد والكيانات الاقتصادية، ولهذا ينبغي التعامل بحذر مع الإشكالات التي ستبرز عند سن نظام رسوم الضرائب على الأراضي بحيث يحقق النظام أهدافه مع الحد من الآثار السلبية التي قد تنتج عن تطبيقه.
سعود بن هاشم جليدان